رئيس التحرير: عادل صبري 11:15 مساءً | الأحد 06 يوليو 2025 م | 10 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

طوبى للشهداء ومن يرفضون حمل السلاح

طوبى للشهداء ومن يرفضون حمل السلاح
14 أبريل 2017

طوبى للشهداء ومن يرفضون حمل السلاح

عادل صبرى

طوبى للشهداء ومن يرفضون حمل السلاح

 

مع دوي الانفجار الرهيب في كنيسة مار جرجس، بقلب طنطا، هرعت إلى الهاتف، لطلب صديق الدرب عماد توماس عضو الهيئة العليا للوفد. فيوم الهجوم الغادر كان موعدنا لتلقى عدة مقالات حول "خارطة طريق" لإنقاذ الأقباط من براثن الإرهاب الأسود، ودور الدولة في مواجهة الأفكار المتطرفة.

 

زاد هلعي عندما ظل الهاتف يرن بلا جدوى، عدة ساعات، وأرسل زميلا يطمئن عليه بين كشوف الضحايا أو المصابين. عندما طال الوقت ظننت أن صديقي ربما لحق ربه، ولم يدر أحدا به، أو فاته موعد الصلاة، التي اعتاد عليها طوال عمره في نفس المكان المجاور لمنزله، وفي نفس الشارع للزعيم مصطفى النحاس الذي عشنا في حواريه سنوات طويلة، نتعارك سياسيا ونعمل من أجل وطن يتحرر من الخوف والاستعباد.

 

توالت إحصاءات الشهداء والجرحى بالعشرات، واعتصر القلب ألما، إلى أن رد صديقي على الهاتف، فتنفست الصعداء، أين أنت يا عماد لماذا لم ترد كل هذه المدة، هل أصابك مكروه، وكيف الأسرة والأحباب، "معلش".. علينا أن نتحمل وندفع ثمن أخطاء السلطة والإرهاب معا، فكل منهما يجرم في حقنا، وهم لا يدرون أنهم يدمرون بأفعالهم الدولة برمتها؟! هكذا وجدتني أطلق كلمات كثيرة بعضها غير مفهوم لي وللمستمع على الجانب الآخر من الهاتف، لشدة اللهفة على سلامة الصديق، وأيضا ما شعرت به من خزي وعار من الواقعة التي يريد البعض أن يلصقها بالإسلام والمسلمين.

 

قالها صديقي عماد توماس وأمثاله العقلاء من الذين يعلمون أن مصر ستظل آمنة بقوة شعبها ووحدته، وليس بقوة حاكم.

 

بادرت لصديقي بالأسف على ما جرا.. فقال علام تأسف؟ هل لنا من الأمر شيء؟! إنهم يدفعوننا لحمل السلاح، ولكن هيهات هيهات لهم هذا الخبل، المسيحيون لن ينجروا أبدا إلى هذا المعترك الخطير.. إنهم لا يعرفون أن المسيحي الحقيقي أقصى أمانيه أن يموت شهيدا في هذه الأيام، لأن احتفالات هذا العيد هي رحلة عبور الآلام عند المسيحيين، ونطلق عليه أسبوع الآلام الذي يستمر حتى عيد القيامة، فالشهادة في نظر المسيحيين هي هدف لا يناله إلا المخلصين منهم، ومن قتل على هذا النحو في بيت الرب يعتبرون من أعلى درجات الشهادة التي ينالها المسيحي من أجل الرب.

 

ويستكمل صديقي: لن يرد المسيحيون على هذه الضربات أبدا بالعنف ولن يتدخلوا في معترك الرد على القتلة بمثل أفعالهم، لأنهم يضحون بأنفسهم في سبيل الرب، فلا يعرفون الحقد ولا الانتقام. إنهم ينسون أن المسيحيين يحتفلون بهذه المناسبة، تخليدا لذكرى الشهداء الذين قُتلوا على أيدي الرومان الوثنيين، الذين قتلوا في المسيحيين بمئات الألوف، مع ذلك لم يبدلوا دينهم، وأصبح التاريخ يخلدهم لما تحملوه في عصر الشهداء الأوائل، وإذا تكرر الأمر الآن فما عليهم إلا التحمل من جديد.

 

زاد خجلي بعد أن سمعت هذه الكلمات من صديقي، لأن القتلة لو علموا ما فعلوه لقتلهم الغيظ من رده، فالذين يدعون أنهم يقتلون من أجل إعلاء كلمة الله، والله منهم براء، لن ينالوا من قدرة المسيحيين على الصبر على البلاء، ولن تؤدي أعمالهم القذرة إلى منع الناس عن توجهم إلى بيوت الرب لأداء الصلاة ولو أزهق الإرهاب نفوسهم. كلمات المواساة التي سمعها الصديق، لم تكن بقدر الجرح الذي يزداد عمقا، مع الأيام، ووسط غياب رؤية قومية شاملة لمواجهة العنف والتطرف، وتوقفت العيون على مشاهد الدم البريء المسكوب على أرضية الكنائس، وانتشرت على أرصفة الشوارع في الإسكندرية حيث اختلطت أشلاء أجساد المسلمين والمسيحيين، وسال الدم على الأرض، فاللون كله واحد والروائح الزكية للشهداء تفوح في الهواء.

 

لم تكن الدولة في حاجة إلى حالة الطوارئ، فلن تأتي الطوارئ بجديد، فنحن نعيش في كنفها منذ عقود، ولم تمنع تمدد الإرهاب. هكذا خاطبت نفسي وودت أن يسمعها كل مسئول في الدولة، قبل أن يتحول هذا المشهد إلى فيلم متكرر كل دقيقة على شاشات التلفاز لعدة أيام، ويصيح رئيسا الدولة والبرلمان، ويهددان الجميع، وكأن الناس هي المسئولة عن الكارثة الكبرى التي تتكرر بنفس المشاهد المشؤومة هذا العام، وإن جاءت أكثر عنفا من السنوات السابقة. ولن تتمكن الزيارة المتكررة من رأس الدولة إلى المقر البابوي بالعباسية، ولا بوس اللحى بين قيادات الدولة والقساوسة، من تهدئة نفوس الشباب، الذي يغلى الدم في حروقه، بعد أن فقدوا الأحبة، وهم لا يقدرون على دفع المصائب عن غيرهم من الأهل والأصدقاء.

 

لم تكن الدولة في حاجة إلى حالة الطوارئ، فلن تأتي الطوارئ بجديد، فنحن نعيش في كنفها منذ عقود، ولم تمنع تمدد الإرهاب!

 

لقد تاهت الدولة وغاب الفكر عن قادتها، حينما وضعوا حل الإرهاب في يد من يحملون السلاح فقط من الجيش أو الشرطة، فمواجهة الفكر التكفيري للآخر، تبدأ من البيوت والمدارس والمساجد والكنائس ومراكز العلم والشوارع، وتنتهي عند من يحملون السلاح. فما نفع السلاح أقواما يواجهون الجلاء المضللين، ولا وفر السلاح الأمن للخائفين، وهم داخل بيوتهم أو مساجدهم وكنائسهم.

 

قالها صديقي عماد توماس وأمثاله العقلاء من الذين يعلمون أن مصر ستظل آمنة بقوة شعبها ووحدته، وليس بقوة حاكم، ولا قبضة أمنية، ولن تفرقه أية قوة على الأرض طالما حافظ الشعب على لحمته التي يعيش فيها مسلم ومسيحي في دولة يحكمها القانون، ويسودها العدل.

 

كل ما يخشاه صديقي ونحن معه، أن تظل الدولة على حالها، بأن تبرر الحوادث المتكررة على طرف تعلم تماما أنه أصبح يكفر الجميع ويضع كل ما عداه في خانة الكافرين والأعداء، وأن تردع الخائفين بقوانين عمياء، ولا تنل من سطوة الغاشمين، الذين يعرفون كيف يتجاوزن كل القوانين والأعراف ويفعلون ما يريدون في وضح النهار، في الوقت نفسه لا تصلح السلطة من شأنها، وتعيد اللحمة بينها وبين طوائف وقوى الشعب المختلفة من جديد. فالهم الذي وقعنا فيه أصابنا جميعا في مقتل، فإذا ما أصبح الحل قاصرا في يد السلطة وحدها، وهي بهذا الضعف في الأداء والإمكانات نكون بحق قد فرطنا في المصلحة العليا للبلاد.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية